
في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها تونس، أصبح ملف السكن يشكّل محورًا رئيسيًا في السياسات الحكومية، خاصة مع الارتفاع المشط لأسعار العقارات وندرة الأراضي الصالحة للبناء. وفي هذا الإطار، أعلنت وزيرة التجهيز والإسكان، سارة الزعفراني الزنزري، عن ضرورة مراجعة الاستراتيجية الوطنية للسكن لتكون أكثر واقعية وقابلة للتطبيق، وذلك خلال ورشة تشاركية نظمتها الوزارة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية.
نحو حلول عملية: بين دعم السكن الاجتماعي وتوسيع برامج التمويل
أشارت الوزيرة إلى أن المرحلة القادمة ستشهد قرارات جوهرية لدفع الاستثمار في السكن الاجتماعي، حيث تقرر بناء 5000 مسكن جديد بقيمة 450 مليون دينار، إضافة إلى توزيع آلاف المساكن الاجتماعية الجديدة. كما تم توفير 13,400 مقسم اجتماعي ضمن برنامج إزالة أو ترميم المساكن البدائية، وهو ما يعكس توجه الدولة نحو تحسين ظروف العيش لفئات واسعة من المواطنين.
وفي خطوة تهدف إلى التخفيف من أعباء اقتناء المساكن، تقرر التخفيض في الأداء على القيمة المضافة من 13% إلى 7% للمساكن المنجزة من قبل الباعثين العموميين والخواص، شرط ألا تتجاوز كلفة المسكن 400 ألف دينار.
الكراء المملّك والمسكن الأول: سياسات جديدة لدعم المواطنين
في سياق توفير حلول تمويلية ميسّرة، تعمل الحكومة حاليًا على إعداد نصوص تشريعية لتنظيم آلية “الكراء المملّك”، التي تمكّن المواطنين من تملك مساكنهم بعد فترة من الكراء بشروط ميسّرة. كما شهد برنامج “المسكن الأول” تعديلات مهمة، حيث أتاح قانون المالية الحالي تسهيلات تصل إلى 35% لدعم البناء الذاتي، من خلال توفير قروض ميسّرة بنسبة فائدة 2% وفترة إمهال تصل إلى خمس سنوات، ما يعزز إمكانية امتلاك المواطنين لمساكنهم الخاصة.
هل تكفي هذه الحلول لمواجهة أزمة السكن؟
رغم هذه المبادرات، لا تزال أزمة السكن في تونس تواجه تحديات كبرى، من بينها القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع كلفة البناء، إضافة إلى ضعف المخزون العقاري المتاح بأسعار مقبولة. كما أن نجاح الاستراتيجية الجديدة يبقى رهين سرعة تنفيذها وقدرتها على الاستجابة لحاجيات مختلف الفئات الاجتماعية.
يبقى الأمل معقودًا على تنفيذ هذه السياسات بفاعلية، مع ضرورة إدماج حلول مبتكرة مثل تشجيع البناء المستدام، وتطوير المدن الذكية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان توفير مساكن بأسعار معقولة، بما يحقق التوازن بين الطلب المتزايد والإمكانات المتاحة.